مجتمع

فيلم «Inside out 2»: مرحبًا بكم في جروب الماميز

عن دور المشاعر في ضبط توازن الإنسان وأثر سيطرتها على حياته.

future فيلم Inside Out

أدهم طفل قارب السابعة من عمره، أدهم طفل ذو شخصية ذكية وحساسة، كانت أول رحلات أدهم إلى دار السينما منذ يومين ليشاهد الجزء الثاني من فيلم «إنسايد آوت»، الذي وقع في غرام جزئه الأول عندما شاهده واستحوذ تمامًا على تفكيره، وشرح له الكثير من المشاعر، خاصة الغضب. بالمناسبة أدهم هو ابني الكبير.

على الرغم من أنني أعرف أن بطلة الفيلم بلغت سناً أكبر نسبياً من أدهم في هذا الجزء، فإن اهتمامه بالتريلر، خاصة بعد أن عرف أن هناك مشاعر جديدة انضمت للشخصيات على رأسها القلق، كان كبيراً، فأدهم لم يرث من ملامحي أي شيء تقريبًا، ولكنني أورثته – دون إرادتي وللأسف – التفكير المفرط، فكان مهتماً جداً أن يشاهد الفيلم، وكنت أنا مهتمة أن أراقب كيف يتلقى ويتفاعل مع هذه المشاهدة.

يدور فيلم «إنسايد آوت» أو «قلباً وقالباً» بجزأيه داخل دماغ شخصيته الرئيسية رايلي، والتي كانت طفلة تماماً في الجزء الأول، في هذا الجزء تكبر رايلي قليلاً لتصير مراهقة تقريباً، بجسد المراهقين الهزيل وتقويم الأسنان وكل شيء، لا زالت رايلي تمتلك الكثير من المشاعر التي تتحكم في تصرفاتها ووجهات نظرها وأفكارها، ولكن ينضم لهذه المشاعر داخل دماغ الفتاة التي أصبحت مراهقة الآن مجموعة من المشاعر الجديدة، وعلى رأسها القلق الذي يأتي مصحوباً بمشاعر أخرى مثل الإحراج والغيرة أو الحسد والملل.

في هذا الجزء تصطدم المشاعر الجديدة التي تحاول تولي القيادة بقيادة القلق بالمشاعر القديمة تحت قيادة السعادة التي تحاول جاهدة دائماً أن تعيد الفتاة لحالة المرح والرضا، وكانت في الجزء الأول تنجح دائماً في إرجاع الأمور إلى نصابها داخل دماغ رايلي ولكن بعد أن كبرت الفتاة قليلاً فإن المحفزات الخارجية التي تستفز المشاعر السلبية أصبحت أكبر، وبالتالي أصبحت السعادة في خطر والقلق هو المسيطر على الأمور في معظم الأحيان، خاصة أن هذا الجزء يدور حول تحدٍّ جديد في حياة رايلي التي تنضم لمعسكر تدريبي لرياضتها المفضلة، والذي يتوقف عليه تقريباً مستقبلها الدراسي، المعسكر يضم فتيات جديدات تحاول هي اكتساب ودهن وتضع دماغها في حيرة شديدة جراء الأحداث غير المعتادة كلياً.

الفيلم مناسب للأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة، لم أشعر لحظة أن الفيلم غير مناسب لعمر طفلي، ربما احتاج بعض التوضيحات البسيطة، ولكن استطاع أن يتماس مع الأحداث والمشاعر بصورة جيدة، أستطيع أن أجزم أن الأطفال بعد سن العاشرة لن يستمتعوا بالفيلم كالأطفال الأصغر، فالمراهقون صعب أن يتماسوا مع الشاشات الملونة والشخصيات ذات الأصوات الكارتونية.

أما الذي لفت نظري تمامًا هو أن الفيلم مناسب للأمهات أيضًا! لو استبدلنا بشخصية رايلي أي امرأة ثلاثينية وأمَّاً لأطفال فلن يختل السياق الأساسي للفيلم، ولهذا بالتحديد نحن هنا اليوم.

مرحباً بكم في جروب الماميز

يبدو أنه كلما تقدم الإنسان في العمر فإنه يشعر بفرح أقل وقلق أكثر.

في السنة الدراسية الماضية تعرض ابني لموقف سيئ في المدرسة مع اثنين من زملائه، تدخلت وتواصلت مع الأمهات المعنيات، إحداهن كانت في قمة الأدب والأخلاق واللطف، وسوينا الموضوع بسلاسة، ووعدتني أن طفلها سوف يعتذر لطفلي، وأنا وعدتها أن يقبل طفلي اعتذاره، الأم الأخرى اعترفت بخطأ طفلها مباشرة، بل أخبرتني أنه هو نفسه جاء حزيناً قبل أن أخبرها أنا واعترف لها بنفسه، كنت سعيدة أنني أقابل أمهات طيبات، ثم بعد أن سوينا المسألة تقريباً وجدتها تخبرني أنه لو أردت فعلاً أن أحمي ابني يجب أن أعلمه أن يتجنب المواقف المحرجة! وأن أجعله يتعلم كيف يمشي جنب الحيط كي لا يضايقه أحد؛ لأنني الآن استطعت أن أتواصل مع الأمهات، ولكن عندما يكبر الأولاد قليلاً لن يقبل لا ابني ولا أبناء الآخرين أن تتدخل الأمهات، أتذكرها الآن وأتذكر ردة فعلها إزاء ردي على كلامها وأشعر بالشفقة، والله لم أقصد أيتها المامي، إنتي اللي بدأتي.

في السنة الدراسية التي سبقت هذه عاد ابني من المدرسة باللانش بوكس كاملاً؛ لأنني نسيت أن أنظف قطعة البيتزا من الخضراوات العالقة بها، وأخبرني أنه جائع جداً لأن الميس لم توافق أن تنظفها له، ابني الذي لا يأكل إلا لماماً أصلاً يخبرني أنه جائع، وأن سبب جوعه أن الميس رفضت مساعدته، فلتزأر العاصفة! دخلت إلى جروب الماميز ورويت لهم الموقف بهيستريا تامة، كنت أصرخ تقريباً، استطعن تهدئتي وأخبرنني أن هناك بنداً في لائحة المدرسة يمنع المدرسة أن تمد يدها في طعام الأطفال حرصاً على سلامتهم، لم أقتنع ولكنني هدأت.

تذكرت الموقفين وأنا واقفة في السينما أشاهد الفيلم – أدهم ليس ابني الوحيد هناك عمر عامان ونصف ولم يكن قراراً جيداً أن نصطحبه للسينما – ورأيت أمامي الإحراج يدفع الأم الأولى للتصرف بهذه الطريقة، ووجدت القلق يدفعني للهستيريا في الموقف الثاني، وتذكرت مواقف أخرى لأمهات أخريات أعرفهن حق المعرفة وأعرف أنهن لسن سيئات على الإطلاق، هن قلقات جداً، قلقات مثل البطلة المراهقة رايلي التي تدفعها مشاعرها الجديدة إلى الإتيان بتصرفات حمقاء لفرط قلقها حيال ما يحدث.

عندما اقتنعت جوي أن القلق لا بد أن يتخذ مكانه في مشاعر رايلي، واستسلمت لأن رغبتها في أن تكون الفتاة سعيدة دوماً لم تعد رغبة منطقية، أخبرت المشاعر الأخرى أن هذا طبيعي، وأنه يبدو أنه كلما تقدم الإنسان في العمر شعر بسعادة أقل وقلق أكبر، ورغم بساطة الجملة وبديهيتها فإنها لا تعامل معاملة الحقيقة الكونية، بل يتعب الإنسان جداً كي يصل إلى هذه الحقيقة ويقتنع بها ويتصرف على أساسها.

أنا لست جيدة كفاية

هل وصلت في القراءة إلى هنا عزيزي القارئ؟ إذن دعني أخبرك أنني متوقفة عن العمل/ الكتابة لما يقرب من ثلاث سنوات، دعني أخبرك أيضاً أن هذا الموقع الذي تقرأ عليه المقال موقع جديد نسبياً، فدعني أخبرك أن زوجي كان يلح عليَّ جداً أن أرسل لمديري/ زميلي أخبره أنني أريد العودة للكتابة، فدعني أخبرك أنني كنت أرفض حتى اليوم الذي ذهبنا فيه للسينما وشاهدنا الفيلم، ثم أخبرت زوجي بعد عودتنا أن تقدير الذات في الفيلم دفع البطلة للكف عن التصرفات السيئة التي كانت تتعمد الإتيان بها، ولم يدفعها أبداً للتعامل باستحقاق وتمادٍ، كفت جوي في الفيلم عن محاولة تولي القيادة وكانت فقط تحاول الوصول إلى مصباح تقدير الذات وتركيبه في موقعه داخل دماغ رايلي كي تبدأ التصرف بحكمة، وأنها طالما كان المصباح مكسوراً وضائعاً وكانت تصرخ داخل دماغها أنا لست جيدة كفاية، كانت تتصرف بحماقة شديدة، أما عندما عاد المصباح لمكانه وتذكرت أنها جيدة بدأت في تصحيح كل شيء.

كنت أقف في السينما أحمل ابني الأصغر وأشاهد القلق وهو يخرب دماغ رايلي وأبكي في الظلام، أبكي لأنني في كثير من الأحيان – بصراحة في أغلب الأحيان – أترك القلق يقود دماغي، تخبرني صديقتي أنني مدمنة للورست كيس سيناريو، وأنني أضع دوماً أسوأ الاحتمالات الممكنة على أنها الاحتمالات الوحيدة الأقرب للواقع، يدفعني هذا القلق الشديد على كل شيء وأي شيء إلى الحافة دوماً، أخاف جداً وأتصرف بناءً على هذا الخوف، فيظنني الآخرون سيئة، عصبية، مندفعة، بينما أنا – فقط – خائفة، حتى هنا كنت متطرفة في القلق، وعندما أخبرت نفس الصديقة بهذا ردت بأنه غير صحيح، القلق جزء كبير من دماغي فعلاً ولكنني أذكى من هذا، ولا أتركه يقود حياتي، هو ينغصها فقط، ولكنني لا زلت متحكمة.

لذلك ها أنا الآن، قلبي يدق بعنف، استغرقت أكثر من يومين في كتابة حوالي ألف كلمة، ولكنني استسلمت لاقتراح زوجي، راسلت صديقي/ مديري، وكتبت المقال.

# فيلم Inside Out # تربية

هل يمكن هزيمة رهاب الامتحانات؟
التوحد: مرض عصبي أم قدرة خارقة؟

مجتمع